فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآيات (17- 20):

قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17) قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا (18) فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا (19) وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا (20)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما ذكر لهم حالهم في الساعة معه سبحانه، أتبعه ذكر حالهم مع معبوداتهم من دونه، فقال بالالتفات إلى مظهر العظمة على قراءة الجماعة: {ويوم} أي قل لهم ما أمرتك به، واذكر لهم يوم {يحشرهم} أي المشركين، بما لنا من العظمة التي نبرزها في ذلك اليوم، من القبور؛ وقرأ أبو جعفر وابن كثير ويعقوب وحفص عن عاصم بالياء التحتية فيكون الضمير للرب {وما يعبدون} أي من الملائكة والإنس والجن وغيرهم ممن يعقل وممن لا يعقل؛ ونبه على سفول رتبتهم عن ذلك وعدم أهليتهم بقوله: {من دون الله} أي الملك الأعلى الذي لا كفوء له، وذكرها بلفظ {ما} إشارة إلى أن ناطقها وصامتها جماد بل عدم بالنسبة إليه سبحانه بما أشار إليه التعبير بالاسم الأعظم الدال على جميع الكمال، مع أن {ما} موضوع على العموم للعقلاء وغيرهم وإن كان أكثر استعماله في غير العقلاء، وعبر سبحانه بقوله: {فيقول} بإعادة ضمير الغيبة بعد التعبير بنون العظمة في {نحشر} في قراءة غير ابن عامر لتقدم الجلالة الشريفة، تحقيقًا للمراد وتصريحًا به، وإعلامًا بأن المراد بالنون العظمة لا جمع، وقرأ ابن عامر بالنون موحدًا الأسلوب: {أنتم} أي أيها المعبودات! بإيلاء الهمزة الضمير سؤالًا عن المضل، لأن ضلال العبدة معروف لا يسأل عنه {أضللتم} بالقهر والخداع والمكر {عبادي هؤلاء} حتى عبدوكم كما في الآية الأخرى.
{ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون} [سبأ: 40] في أمثالها من الآيات كما في الحديث القدسي: «إني خلقت عبادي حنفاء كلهم فاحتالهم الشياطين».
{أم} ولما كان السؤال- كما مضى- عن الفاعل لا عن الفعل، كان لابد من قوله: {هم} أي باختيار منهم لإهمالهم استعمال ما أعطيتهم من قويم العقل وسديد النظر {ضلوا} وأوصل الفعل بدون عن كما في هداة الطريق بدون إلى لكثرة الدور، وللإشارة إلى قوة الفعل فقال: {السبيل} أي الذي نهجته ونصبت عليه الأدلة القاطعة، البراهين الساطعة {قالوا} أي المعبودات الحي منهم والجماد، المطيع والعاصي: {سبحانك} أي تنزهت عن أن ينسب إلى غيرك قدرة على فعل من الأفعال.
ولما أنتج التنزيه أنهم لا فعل لغيره سبحانه، عبروا عنه بقولهم: {ما كان ينبغي} أي يصح ويتصور {لنا أن نتخذ} أي نتكلف أن نأخذ باختيارنا من غير إرادة منك {من دونك} وكل ما سواك فهو دونك {من أولياء} أي ينفعوننا، فإنا مفتقرون إلى من ينفعنا لحاجتنا وفقرنا، فكيف نترك من بيده كل شيء وهو أقرب إلينا في كل معنى من معاني الولاية من كل شيء من العلم والقدرة وغيرهما إلى من لا شيء بيده، وهو أبعد بعيد من كل معنى من معاني الولاية، فلو تكلفنا جعله قريبًا لم يكن كذلك، وهذه عبارة صالحة سواء كانت من الصالحين ممن عبد من الأنبياء والملائكة أو غيرهم، فإن كانت من الصالحين فمعناها: ما كان ينبغي لنا ذلك فلم نفعله وأنت أعلم، كما قال تعالى.
{ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس} [آل عمران: 79] الآية؛ وإن كانت من الجمادات فالمعنى: ما كنا في حيز من يقدر على شيء من ذلك، ولكن فعلوه بطرًا؛ وإن كانت من مثل فرعون فالمعنى: ما كان لنا هذا، ولكن هم أنزلونا هذه المنزلة بمجرد دعائنا لهم كما يقول إبليس- فما كان لنا عليهم من سلطان إلا أن دعوناهم فاستجابوا، وذلك لعدم نظرهم في حقائق الأمور، فألقى الكل إلى الله يومئذ السلم، فثبت أنهم ليسوا في تلك الرتبة التي أنزلوهم إياها، وفائدة السؤال مع شمول علمه تعالى تبكيت المعاندين وزيادة حسراتهم وأسفهم، وتغبيط المؤمنين إذا سمعوا هذا الجواب، هذا مع ما في حكايته لنا من الموعظة البالغة، وقراءة ابي جعفر بالبناء للمفعول بضم النون وفتح الخاء واضحة المعنى، أي يتخذنا أحد آلهة نتولى أموره.
ولما كان المعنى: إنا ما أضللناهم، أما إذا قدر من الملائكة ونحوهم فواضح، وأما من غيرهم فإن المضل في الحقيقة هو الله، وفي الظاهر بطرهم النعمة، واتباعهم الشهوات التي قصرت بهم عن إمعان النظر، وأوقفتهم مع الظواهر، حسن الاستدراك بقوله: {ولكن} أي ما أضللناهم نحن، وإنما هم ضلوا بإرادتك لأنك أنت {متعتهم وآباءهم} في الحياة الدنيا بما تستدرجهم به من لطائف المنن، وأطلت أعمارهم في ذلك {حتى نسوا الذكر} الذي لا ينبغي أن يطلق الذكر على غيره، وهو الإيمان بكل ما أرسلت به سبحانك رسلك برهان ما يعرفه كل عاقل من نفسه بما وهبته من غريزة العقل من أنه لايصح بوجه أن يكون الإله إلا واحدًا، ما بين العاقل وبين ذكر ذلك إلا يسير تأمل، مع البراءة من شوائب الحظوظ والحاصل أنك سببت لهم أسبابًا لم يقدروا على الهداية معها، فأنت الملك الفعال لما تريد، لا فعل لأحد سواك {وكانوا} في علمك بما قضيت عليهم في الأزل {قومًا بورًا} هلكى.
ولما كان هذا أمرًا واقعًا لا محالة، التفت إليهم مبكتًا فقال معبرًا بالماضي بعد قد المقربة المحققة: {فقد كذبوكم} أي المعبودون كذبوا العابدين بسبب إلقائهم السلم المقتضي لأنهم لا يستحقون العبادة وأنهم يشفعون لكم مقهورين مربوبين {بما} أي بسبب ما {تقولون} أيها العابدون من أنهم يستحقون العبادة، وأنهم يشفعون لكم، وأنهم أضلوكم، وفي قراءة ابن كثير بالتحتانية المعنى: بما يقول المعبودون من التسبيح لله والإذعان، في ادعائكم أنهم أضلوكم.
ولما تسبب عن إلقائهم السلم وتخليهم عمن عبدهم أنه لا نفع في أيديهم ولا ضر، قال: {فما تستطيعون} أي المعبودون {صرفًا} أي لشيء من الأشياء عن أحد من الناس، لا أنتم ولا غيركم، من عذاب ولا غيره، بوجه حيلة ولا شفاعة ولا مفاداة {ولا نصرًا} بمغالبة، وهو نحو قوله تعالى: {فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلًا} [الإسراء: 56].
ولما كان التقدير: فمن يعدل منكم لسماع هذا الوعظ بوضع العبادة في موضعها نثبه ثوابًا جليلًا، عطف عليه ما المقام له فقال: {ومن يظلم منكم} بوضعها في غير موضعها، وباعتقاده في الرسل ما لا ينبغي من أنه لا ينبغي لهم أن يكونوا مثل الناس في أكل ولا طلب معيشة ونحو ذلك {نذقه} في الدنيا والآخرة، بما لنا من العظمة {عذابًا كبيرًا}.
ولما أبطل سبحانه ما وصموا به رسوله صلى الله عليه وسلم وذكر ما جزاهم عليه.
وما أعد لهم وله ولأتباعه، ونفى ما زعموه في معبوداتهم وختمه بتعذيب الظالم، ذكر ما ظلموا فيه من قولهم {ما لهذا الرسول} ونحوه، فبين أن ما جعلوه من ذلك وصمة في حقه هو سنته سبحانه في الرسل من قبله أسوة لنوعهم البشري، وأتبعه سره فقال زيادة في التسلية والتعزية والتأسية: {وما أرسلنا} بما لنا من العظمة.
ولما كان المراد العموم، أعراه من الجار فقال: {قبلك} أي يا محمد أحدًا {من المرسلين إلا} وحالهم {إنهم ليأكلون الطعام} ما نأكل ويأكل غيرك من الآدميين {ويمشون في الأسواق} كما تفعل ويفعلون أي إلا وحالهم الأكل والمشي لطلب المعاش كحال سائر الآدميين، وهو يعلمون ذلك لما سمعوا من أخبارهم، وهذا تأكيد من الله تعالى فإنهم لا يكذبونه عليه الصلاة والسلام، ولا يعتقدون فيه نقصًا، وإبطال لحجتهم بما قالوه من ذلك، وإقامة للحجة على عنادهم، وأنهم إنما يقولونه وأمثاله لمما تقدم من رسوخ التكذيب بالساعة في أنفسهم {وجعلنا} أي بالعطاء والمنع بما لنا من العظمة {بعضكم لبعض فتنة} بأن جعلنا هذا نبيًا وخصصناه بالرسالة، وهذا ملكًا وخصصناه بالدنيا، وهذا فقيرًا وحرمناه الدنيا، ليظهر ما نعلمه من كل من الطاعة والمعصية في عالم الغيب للناس في عالم الشهادة، فنختبر الفقير بصبره على ما حرم مما أعطيه الغني أو جزعه، والملك ومن في معناه من الأشراف بصبرهم على ما أعطيه الرسول من الكرامة والبلوغ بالقرب من الله إلى ما لا يبلغونه مع ما هم فيه من العظمة، فلأجل ذلك لم أعط رسولي الدنيا، وجعلته ممن يختار العبوديه والكفاف بطلب المعاش في الأسواق، لأبتليكم في الطاعة له خالصة، فإني لو أعطيته الدنيا، وجعلته ممن يختار الملك، لسارع الأكثر إلى اتباعه طمعًا في الدنيا، وهذا معنى {أتصبرون} فإنه علة ما قبله، أي لنعلم علم شهادة هل تصبرون فيما امتحناكم به أم لا؟ كما كنا نعلمه علم الغيب، لتقوم عليكم بذلك الحجة في مجاري عاداتكم، وفيها مع العلية تهديد بليغ لمن تدبر، ويجوز أن يكون الاستفهام استئنافًا للتهديد.
ولما كان الاختبار ربما أوهم نقصًا في العلم، وكان إحسانه سبحانه إلى جميع الخلق دون إحسانه إلى سيدهم وعينهم، وخلاصتهم وزينهم: محمد صلى الله عليه وسلم، وكان أعلمهم بتنزيهه وتعظيمه، وكان امتحانهم بجعله نبيًا عبدًا مع كونه في غاية الإكرام له ربما ظنوه إهانة، نفى ما لعله يوهمه كل من الاستفهام والامتحان في حق الله سبحانه وحق نبيه صلى الله عليه وسلم، فقال صارفًا وجه الخطاب إليه: {وكان ربك} أي المحسن إليك إحسانًا لم يحسنه إلى أحد سواك، لاسيما بجعلك نبيًا عبدًا {بصيرًا} بكل شيء فهو عالم بالإنسان قبل الامتحان، لم يفده ذلك علمًا لم يكن، وهو سبحانه يضع الأمور في حاق مواضعها وإن رئي غير ذلك، فينبغي على كل أحد التسليم له في جميع الأمور فإنه يجر إلى خير كبير، والتدبر لأقواله وأفعاله بحسن الانقياد والتلقي فإنه يوصل إلى علم غزير، وما أراد بابتلائك بهم وابتلائهم بك في هذا الأذى الكبير إلا إعلاء شأنك وإسفال أمرهم {ولتعلمن نبأه بعد حين} [ص: 88]. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17)}.
اعلم أن قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ} راجع إلى قوله: {واتخذوا مِن دُونِهِ ءالِهَةً} [الفرقان: 3] ثم هاهنا مسائل:
المسألة الأولى:
{يَحْشُرُهُمْ} فنقول كلاهما بالنون والياء وقرئ {نَحْشُرُهُمْ} بكسر الشين.
المسألة الثانية:
ظاهر قوله: {وَمَا يَعْبُدُونَ} أنها الأصنام، وظاهر قوله: {فَيَقُولُ أَءنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِى} أنه من عبد من الأحياء كالملائكة والمسيح وغيرهما، لأن الإضلال وخلافه منهم يصح فلأجل هذا اختلفوا، فمن الناس من حمله على الأوثان، فإن قيل لهم الوثن جماد فكيف خاطبه الله تعالى، وكيف قدر على الجواب؟ فعند ذلك ذكروا وجهين: أحدهما: أن الله تعالى يخلق فيهم الحياة، فعند ذلك يخاطبهم فيردون الجواب وثانيها: أن يكون ذلك الكلام لا بالقول اللساني بل على سبيل لسان الحال كما ذكر بعضهم في تسبيح الموات وكلام الأيدي والأرجل، وكما قيل: سل الأرض من شق أنهارك، وغرس أشجارك؟ فإن لم تجبك حوارًا، أجابتك اعتبارًا! وأما الأكثرون فزعموا أن المراد هو الملائكة وعيسى وعزير عليهم السلام، قالوا ويتأكد هذا القول بقوله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ للملائكة أَهَؤُلاَء إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ} [سبأ: 40] وإذا قيل لهم: لفظة ما لا تستعمل في العقلاء أجابوا عنه من وجهين: الأول: لا نسلم أن كلمة ما لما لا يعقل بدليل أنهم قالوا من لما لا يعقل والثاني: أريد به الوصف كأنه قيل ومعبودهم، وقوله تعالى: {والسماء وَمَا بناها} [الشمس: 5] {وَلاَ أَنتُمْ عابدون مَا أَعْبُدُ} [الكافرون: 3] لا يستقيم إلا على أحد هذين الوجهين، وكيف كان فالسؤال ساقط.
المسألة الثالثة:
حاصل الكلام أن الله تعالى يحشر المعبودين، ثم يقول لهم أأنتم أوقعتم عبادي في الضلال عن طريق الحق، أم هم ضلوا عنه بأنفسهم؟ قالت المعتزلة: وفيه كسر بين لقول من يقول إن الله يضل عباده في الحقيقة لأنه لو كان الأمر كذلك لكان الجواب الصحيح أن يقولوا إلهنا هاهنا قسم ثالث غيرهما هو الحق وهو أنك أنت أضللتهم، فلما لم يقولوا ذلك بل نسبوا إضلالهم إلى أنفسهم، علمنا أن الله تعالى لا يضل أحدًا من عباده.